قياس صحة المجتمع

 

 

الدكتور محمد حسن الزعبي

 

 

مهما كان تعريف " الصحة " المستعمل في طب المجتمع أو الوبائيات من الضروري أن يكون بيناً لا لبس فيه ، وسهل الاستعمال ، وسهل القياس بطريقة معيارية في مختلف الظروف ومن قبل أشخاص مختلفين . فمعايير التشخيص في الطب السريري تتغير بسرعة ، كلما توسعت المعرفة الطبية ، أو تحسنت وتطورت التقنيات . إن التعاريف المستعملة في الطب السريري لتحديد المرض أكثر مرونة ، وان الحكم الإكلينيكي يعتبر ، ولو جزئياً ، أكثر أهمية في التشخيص ، وإنه في الغالب يمكن التشخيص بوساطة سلسلة من الاختبارات حتى يتم تثبيت التشخيص النهائي .

يجب أن يكون لدى الطبيب المهتم بصحة المجتمع صورة واضحة حول حجم ومدى المشكلات الصحية التي تواجه المجتمع . إن أهمية "الصورة الإجمالية" قد تكون بدهية وغنية عن البيان ، إلا أنها في الواقع نادراً ما تكون مكتملة ، حتى على المقاييس الصغيرة . فإن المجتمع مهما كان صغيراً ، وحدة غير متجانسة ، من حيث الخصائص الفردية لمكوناته ، وكذلك أماكن العمل والمهنة ومكان الإقامة وأنماط الحياة . ويمكن في هذه الحالة تقسيم الناس ، أو تصنيفهم على مجموعات متقاربة لديها قواسم مشتركة ومتجانسة إلى حد ما ضمن مدى محدد للمشكلات الصحية .

مصادر المعلومات " الصحية " التي تقدم البيانات المختلفة متعددة وليست مصممة في الأصل للغايات الصحية مباشرة ، ولهذا فان الباحث يعاني محدوديتها عند الرجوع إليها . ورغم هذا فانه عند جمع هذه الأجزاء المختلفة من المصادر المتعددة ، قد يكون من الممكن الحصول على " صورة مركبة " لصحة المجتمع .  ومن ثم ، وبناءً على ما تم تركيبه ، يصبح من الممكن وضع تشخيص صحة المجتمع (Community Diagnosis)  ، تماماً كما يعمل الطبيب المعالج في عيادته عند تشخيص حالة مرضية . حيث يتم جمع المعلومات من مصادر مختلفة : السيرة المرضية والفحص السريري والفحص المخبري والشعاعي … وحسب أهمية ودقة وموثوقية كل منها ، فالطبيب يحدد المشكلة الصحية للشخص ويضع التشخيص … ويبدأ بعلاج المريض.

المقاييس ذات الصلة بصحة الفرد والمجتمع يمكن تقسيمها على ثلاث مجموعات ، وهي تعتبر أيضاً مؤشرات هامة لصحة المجتمع وتقدمه الاجتماعي والاقتصادي وهي :

1- مقاييس المراضة ، 2- مقاييس الوفيات ، 3- مقاييس سكانية .

وكل هذه المقاييس (أو البيانات المبنية عليها ) تعاني ، بدرجات متفاوتة ، المحدودية والعجز وعدم الكفاية ، كماً ونوعاً مما يحد من الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها منها .

 

 

 

 

 

 

 

مقاييس المرض – المراضة  :

 

 

تعتمد المقاييس العديدة لتكرارات الأمراض على المفاهيم الأساسية للحدوث والانتشار ، إلا أنه لسوء الحظ لم يتم التوصل إلى اتفاق كامل بشأن التعاريف والمصطلحات التي تستعمل في هذا المجال والمصطلحات هنا هي كما جاء تعريفها في قاموس الوبائيات (Last,1995) . وجميع المعدلات ، تتركب من بسط ومقام ووقت محدد . وحساب مقاييس تكرارات المرض يعتمد على صحة ومدى شمولية محتويات كل من البسط والمقام .  فمحتويات المقام التي هي عبارة عن عدد الأشخاص المهددين بالإصابة (at Risk) ، يصعب تحديدها بدقة ، فعلى سبيل المثال يجب استثناء الرجال عند حساب تكرار سرطان الرحم ، وكذلك لا يجوز شمول النساء في حساب سرطان البروستات ، كما أن المرضين لا يهددان الفئات العمرية كلها بالقدر نفسه من الخطورة. والفئة السكانية التي لديها قابلية للمرض ، هي الفئة المهددة بالإصابة أو المنذرة ، ويمكن تحديدها على أسس عوامل ديموغرافية أو بيئية ، كما أن محتويات البسط تعاني عدم الدقة بسبب عدم معرفة أعداد المصابين الفعلية .

 

 

 

الحدوث (الوقوع ) والانتشار :

عند البت في معدلات المراضة المناسبة ، فإن الأمراض الموجودة في المجتمع أثناء فترة زمنية معلومة ، يمكن تصنيفها كما في شكل رقم (1) :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شكل رقم (1) يبين الحدوث والانتشار :

                         

 1/6                                                                                                    30/6


 


                                              أ

 

                                                                   ب

 

                           ج

 

                                                  د


 

 

 


1/6                                           15/6                                             30/6

 

حيث إن :

أ- أمراض تبدأ بعد بداية الفترة الزمنية المحددة وتنتهي قبل نهاية الفترة الزمنية .

ب- أمراض تبدأ بعد بداية الفترة الزمنية المحددة وتنتهي بعد نهاية الفترة الزمنية .

ج- أمراض تبدأ قبل بداية الفترة الزمنية وتنتهي قبل نهاية الفترة الزمنية .

د- أمراض تبدأ قبل بداية الفترة الزمنية وتنتهي بعد نهاية الفترة الزمنية .

 

 

من الضروري بدءاً ذي بدء ، أن يتم تحديد أسس حساب معدلات المراضة ، هل سيكون ذلك على أساس الفرد المريض ، أم على أساس عدد وقوعات المرض ؟ فاذا أصيب مثلاً شخص ما ثلاث مرات بالمرض قيد البحث أثناء الفترة الزمنية المحددة ، فهل سيكون القياس على اساس شخص واحد لمرة واحدة فقط ، أم ثلاثة وقوعات مرضية . إننا في الواقع قد نلجأ الى الطريقتين في معظم الأحيان .

 

 

معدل حدوث المرض  : عدد الأمراض (وقوعات مرض أو أشخاص كيفما يتفق ) التي تبدأ في فترة زمنية معلومة (المجموعة أ،ب) وتنسب الى متوسط عدد الأشخاص المعرضين والمهددين بالإصابة (الأشخاص الذين لديهم استعداد وقابلية ) ، أي إنه يبين عدد الحالات المرضية الجديدة التي ظهرت في الفترة المذكورة ، ما عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالانفلونزا في الأسبوع الثاني من شهر كانون أول من العام الماضي بغض النظر عن الوقت الذي انتهت فيه الحالات المرضية ؟ .

 

 

 

 

 

معادل انتشار (شيوع ) المرض : يشير الانتشار الى عدد الحالات المرضية الموجودة (القديمة والجديدة ) ، ويشمل :

1- معدل انتشار النقطة ( الزمنية): عدد الحالات المرضية الموجودة في نقطة زمنية معينة في 15/6  مثلاً ، وتشمل أ ، ب ، ج ، د في ذلك الوقت المحدد.

2- معدل انتشار الفترة الزمنية : عدد الأمراض (أشخاص أو وقوعات مرض كيفما يتفق ) الموجودة في أي وقت أثناء الفترة الزمنية المعينة ، وتنسب إلى متوسط عدد الأشخاص المعرضين لعامل الخطر أثناء تلك الفترة ، وهي عبارة عن عدد الحالات المرضية الموجودة في الفترة الزمنية (الحالات التي كانت موجودة قديماً في بداية الفترة واستمرت في الوجود ، يضاف إليها الحالات الجديدة التي ظهرت أثناء الفترة سواءً انتهت قبل نهاية الفترة أم استمرت بعد انتهائها ) ، ويشمل جميع الحالات خلال الفترة الزمنية كلها (أ ، ب ، ج ، د ) وتحسب معدلات الحدوث والانتشار بالألف كما هو الحال في بقية المعدلات .

 

متوسط مدة المرض :

                             معدل انتشار النقطة

متوسط مدة المرض = ـــــــــــــــــــــــــــ  ، ويكون قياس مدة المرض وفقاً للفرد من المجتمع                                                                                                       

                               معدل الحدوث

ككل ، أو للشخص المريض فقط ، أو وفقاً للحالة المرضية ، وعلى الشكل التالي :

                                                        عدد أيام المرض في الفترة المحددة        

أ- متوسط مدة المرض / فرد =    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                     متوسط عدد الأشخاص المعرضين في تلك الفترة

                                                                         عدد أيام المرض في الفترة المحددة

ب- متوسط مدة المرض / شخص مريض =  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                       متوسط عدد الأشخاص المعرضين في تلك الفترة

                                                                     عدد أيام المرض في الفترة المعينة

ج- متوسط مدة المرض / حالة مرضية =   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                      عدد وقوعات المرض أثناء تلك الفترة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يدل الحدوث على الحالات المرضية الجديدة ، بينما يشير الانتشار إلى الحالات المرضية جميعها القديمة منها والجديدة ، ويصف الانتشار الوضع المستقر الموجود في الواقع في فترة محددة من الزمن ، بينما يصف الحدوث الوضع المتغير في تلك الفترة : عدد الأشخاص الذين ألم بهم المرض في الفترة المذكورة .

 

 

نقاط هامة بخصوص معدلات الحدوث والانتشار :

 

- يشير معدل انتشار المرض إلى كل الحالات المرضية الموجودة أثناء الفترة الزمنية المعنية ، ويتكون من معدل انتشار النقطة في بداية الفترة المذكورة بالإضافة الى الحالات الجديدة (الحدوث) التي ظهرت اثناء تلك الفترة ، ان هذا المعدل قليل الاستعمال لصعوبة تأويله .

- أحداث مثل (الإجهاضات ، الولادات ، إخباريات الأمراض ، دخولات المستشفيات ، العمليات الجراحية ، الوفيات ) تقاس وتحسب كحدوث (وقوعات) .

- إذا كان الحدوث يختلف اختلافاً كبيراً في أوقات مختلفة بحيث يأخذ أنماطاً دورية ، فان انتشاره سيختلف أيضاً ، ويفضل في هذه الحالة اعتبار الفترات الدورية في اختيار المدة الزمنية لقياسات حدوث المرض : أي استعمال قياسات الحدوث في الفترة الزمنية التي تغطي دورة الحدوث كلها :

-المقام في معدلات الحدوث ، تقليديا ، هو عدد الأشخاص في منتصف المدة الزمنية قيد البحث: عدد السكان في نصف السنة =

                                            

عدد السكان في بداية السنة + 1 (الولادات في السنة + الهجرة للداخل )

                               2

ــ  1  (الوفيات في السنة + الهجرة للخارج )

                               2

- قد يتكرر حدوث بعض الحالات عند الشخص نفسه أثناء الفترة الزمنية المحددة (المرض ، الدخول للمستشفى ، الإصابات المختلفة ) ومعدلات الحدوث ، في هذه الحالة يمكن أن تكون :

 

الحدوث / شخص : الذي فيها يتم إحصاء الشخص مرة واحدة فقط بغض النظر عن عدد وقوعات المرض أو الحدث .

 

 

الحدوث / نوبة مرضية : يتم الإحصاء في هذه الحالة بحصر النوبات المرضية أو الأحداث ، إن معدل حدوث (النوبة) عندها يمكن أن يكون أكثر من 100 % .

 

- قياسات معدلات الحدوث يفضل استعمالها للحالات قصيرة الأمد ، بينما يفضل استعمال معدلات الانتشار للحالات طويلة الأمد .

 

- الانتشار الرقمي مفيد في العادة في الأغراض الإدارية لقياس أهمية أو جسامة المشكلة ، مثلاً: أعداد الأسرة المطلوبة لقسم أو مستشفى معين .

 

- أما لغايات التخطيط المستقبلي فالأمر يتطلب عادة تقدير الحدوث الرقمي : عدد الحالات المرضية المتوقعة في الفترة القادمة على سبيل المثال .

 

- عند متابعة بعض الأشخاص الأصحاء (إلا أنهم مهددون بالإصابة بمرض معين ) لمدة زمنية قد تمتد إلى عدة سنوات ، وقد تكون طوال العمر ، فان حساب كل من معدل الحدوث ، ومعدل الحدوث التراكمي (التجميعي) ومعدل مدة المرض يكون كما هو في المثال الافتراضي التالي :

 

حيث افترض أنه تم مراقبة ستة اشخاص لمدة ست سنوات ، وكما موضح في الشكل رقم (2) التالي :

شكل رقم (2) معدلات الحدوث والحدوث التراكمي

 

الأشخاص                                                                          عدد السنوات

                                                                                   تحت المراقبة من 

Text Box: 6

6

2


2

3

3

                                                                                      دون مرض


0          1          2           3           4           5            6         سنوات المتابعة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


معـدل الحـدوث خـلال فترة ست سنوات هو عدد الحوادث (3) مقسوماً على مجموع الفترات التي كانـت فيهـا مجموعـة الدراسـة مهـددة بالمـرض ، وهي في المثال (22 شخص / سنة) وهو    3 = 6ر13 حالــة / 100 شخــص سنــة (مـدة الخطورة التي يكون فيها الشخص مهدداً بالمرض

22

، هي الفترة التي يقضيها من دون مرض ) .

 

                                                              عدد الحالات                        

معدل الحدوث التراكمي =      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ =        3

                                           عدد الأشخاص الأصحاء في بداية الفترة الزمنية      6

 

 

أي  50 حالة / 100 شخص خلال فترة المراقبة (ست سنوات) .

 

 

متوسط فترة (مدة) المرض هو :

               مجموع سنوات المرض         

         =  ـــــــــــــــــــــــــــ =    10 = 3ر3 سنة

               عدد حالات المرض           3

 

تقيس معدلات الحدوث الاختطار المطلق الناتج عن المرض ، ولذلك فهي مناسبة ، بشكل عام ، لدراسة سببية الأمراض والتاريخ الطبيعي للمرض ، كما هي مناسبة لتقويم برامج المداخلة الوقائية .